لجنة التربية والتعليم
الدستور
الأخلاقي لمن يقوم بالتعليم بالمفهوم الحديث
دستور
مهنة التعليم
المقدمة
:
تعد التربية ضرورة
اجتماعية وفردية ، فلا
الفرد يستطيع أن
يستغني عنها ولا المجتمع . وكلما ارتقى الإنسان في سلم الحضارة
زادت حاجته الى
تربية التي أصبحت حقا من حقوق الإنسان لأنها عملية أساسية في تقدم
الشعوب ونهضة
الأمم . وأصبحت المجتمعات المتقدمة و النامية تتجه إلى التربية لحل
مشكلاتها وضمان
استمرار تقدمها . ويشير بعض المربين الى ان الحضارة العالمية هي
سباق بين التربية
و الدمار . ومن هنا كان الاهتمام بالتربية و التعليم لأنها مفتاح
للتنمية البشرية
التي تعد طاقة محركة للتنمية الشاملة المستدامة
.
وينفرد
التعليم بكونه
مهنة مقدسة لان الله سبحانه وتعالى نسبه الى ذاته العليا . قال تعالى
: )) الرحمن *
علم القران * خلق الإنسان * علمه البيان )) الرحمن 1-4 . كما اهتم
الرسول الكريم
محمد ( ص ) بالتعليم اهتماما كبيرا فقد وردت الأحاديث النبوية
الشريفة التي
تؤكد ذلك : ( إنما بعثت معلما ) . وأيضا اهتم الأئمة الأطهار بالتعليم
وحثوا عليه في
أقوالهم ، وخير دليل على ذلك المدرسة الفقهية التي أنشاها الإمام
الصادق (ع)
.
ويعد المعلم
العنصر الأساسي في التربية و التعليم ، اذ ان قضيته
قاسم مشترك
لعناصر العملية التربوية و الأنظمة التعليمية وان الاهتمام بأعداده
وتدريبه وتنميته
أمر لابد منه
.
التعليم
مهنة:
من المعروف أن
المجتمعات – بغض
النظر عن تقدمها او تأخرها - تحتضن كثيرا من المهن كالطب والمحاماة
و القضاء و
الصحافة و التعليم ، وغيرها في سلم المهن . و المتتبع لموقف المجتمعات
من هذه المهن
يلاحظ ان كل مهنة تلتزم بأخلاقيات يؤمن بها أصحابها الذين يعتزون بها
ويسلكون بمقتضاها
ويعملون على ترسيخها وتعميقها لدى المنتمين إليها منطلقين من
إيمانهم بأهداف
المهنة وأدوارها التي تحقق طموحات المجتمع في التحديث و الرقي
.
وقد اختلفت
المجتمعات في موقعها من المهن السائدة في المجتمع في ضوء فلسفتها
الاجتماعية
وأهدافها التي تجسد مبادئ المهن ، ومنها تحديد الموقف من مهنة التعليم
وأخلاقياتها
وقيمها . وبحدود أخلاقيات مهنة التعليم فقد تبنى كل مجتمع قواعد
ومعايير تعبر عن
هذه الأخلاقيات وتوصيفها ، وفي الوقت نفسه تعد معايير سلوك أفراد
المهنة
.
وقبل ان نؤشر
موقف المجتمع من مهنة التعليم ، لابد من تعريف المهنة
والوقوف على
مفهومها وخصائصها ومعاييرها ، فالمهنة كلمة ذات مدلول وصفي تشير إلى
مجموعة من السمات
الأساسية التي تتصف بها كثير من المهن مثل الطب و المحاماة وتتطلب
درجة عالية من
المهارة القائمة على المعرفة المتخصصة . وعندما تعرف المهنة بأنها
أعمال خدمية تطبق
مجموعة من المعارف على مشكلات يقدرها المجتمع ، فأنها تظهر
كالأعمال
التجارية و الصناعية ، اما عندما تعرف المهنة بأنها عمل منظم يقنع به
الإنسان ويحاول
ان ينهض من خلاله بمطالب وظيفية محددة يدفع صاحبه الى ممارسة عمل
خاص مقتنع به
نفسيا وأدبيا
.
كما توجد لكل
مهنة أخلاقياتها الخاصة بها و التي
تحكم سلوك
أعضائها وتقاليدهم ومعايير انتقائهم . وتحدد المكانة المهنية لمهنة ما
بحسب ما تمتلكه
من معايير او خصائص مهنية حيث يقال ان مهنة ما ذات مكانة عالية
حينما تقترب
كثيرا من النمط المثالي للمهنة
.
ويرى بعض المربين
ضرورة توفر في
مهنة التعليم
منظومة معايير هي
:
(1)ثقافة
عامة ومتخصصة ومهنية تشكل أساسا معرفيا
وقاعدة علمية
تشتمل على معلومات نظرية وتطبيقية
.
(2)تكوين
مهني يؤمن التفاعل
المستمر قبل
الخدمة وأثناءها مع المستحدثات و التقنيات الجديدة ذات العلاقة
.
(3)احتراف
مهني منظم تصبح فيه المهنة حياة دائمة للعمل و النمو
(4)أخلاقية
مهنية تتضح فيها
الواجبات والحقوق والأنماط السلوكية لأخلاقيات المهنة التي يلتزم
بها جميع
الممارسين للمهنة
.
(5)التمتع
لمن ينتمي للمهنة بقدر من الاستقلالية
.
(6)توجه
نحو خدمة المجتمع والترفع عن الاستغلال و الكسب الشخصي
.
التعليم
أخلاقيات مهنة:
لعل من ابرز عناصر
المهنة
أخلاقياتها
ومعاييرها الأخلاقية . والخلق لغة يعني السجية والطبع والعادة والدين
. والأخلاق
اصطلاحا تعني عادات يكتسبها الفرد نتيجة تعرضه لمؤثرات الأسرة والمدرسة
والمجتمع والبيئة
، وتنطبع في نفسه ويتمثلها في تصرفاته في المواقف المختلفة
.
وقد اتفقت
الأديان السماوية على أهمية الأخلاق والدور الذي تلعبه في حياة
الأفراد
والجماعات لأنها الدرع الذي يقي الفرد من الوقوع في الرذيلة، كما تحفظ
الأمم من
الانهيار، وهي فضلا عن ذلك العنصر المهم في كل نهضة وتقدم إنساني
.
ومن
هذا المنطلق
تكتسب الأخلاق المهنية أهمية كبيرة ، إذ إن مقومات أية مهنة تقتضي وجود
دستور أو ميثاق
أخلاقي مهني يلتزم به أعضاؤه بتطبيقه في سلوكهم اليومي ، فالأخلاق
المهنية إذن هي
معايير تعد أساسا لسلوك أفراد المهنة المستحب ، والذي يتعهد أعضاء
المهنة التزامها
. وبعبارة أخرى هي مجموعة أصول وقواعد يقوم أعضاء المهنة على
الالتزام بها
حفاظا على مستوى المهنة ورفعا لشانها . وقد يطلق عليها أحيانا
أخلاقيات العمل
أو أخلاقيات الوظيفة . علما إن الأخلاق المهنية هي جزء من الأخلاق
العامة ، ولكنها
تتميز عنها بالتوجه نحو المهنة
.
وإذا كانت
الأخلاق المهنية
ضرورة لكل فرد
يعمل في مهنة ، فأنها أكثر أهمية وضرورة لمن يعمل في مهنة التعليم
وذلك بسبب خطورة
هذه المهنة التي تهدف إلى بناء شخصية الإنسان بأبعادها كافة، فضلا
عن أهمية الدور
الذي يلعبه المعلم في المؤسسة التربوية حيث تمتد آثار تربيته
وتعليمه للطلبة
إلى أجيال عديدة
.
ويمكن القول بعد
هذا ان أخلاقيات مهنة
التعليم بشكل عام
( كمبادئ وقواعد ) يمكن ان تنطبق على جميع المعلمين في العالم الا
ان جوهر هذه
الأخلاقيات ومضامينها تحكمها فلسفة المجتمع وارثه الحضاري وظروفه
.
نحو
ميثاق مهني للتعليم
:
الميثاق هو عهد بين
طرفين او
اكثر يلتزم به
الإنسان فكرا وسلوكا أمام الله ونحو نفسه والآخرين . وتترتب عليه
واجبات وحقوق
للأطراف المعنية . وبذلك فان الميثاق المهني للتعليم هو وثيقة عهد
يلتزم بها
المعلمون ، يتضمن قواعد ومبادئ مهنية وأخلاقية ، للواجبات التي تصف
السلوك المتوقع
منهم عند إنجاز مهامهم التربوية والتعليمية داخل المدرسة وخارجها
ويطبقونها بأمانة
وإخلاص امام الله سبحانه وتعالى ونحو انفسهم ومهنتهم وطلبتهم
وزملائهم واولياء
امور طلبتهم ومجتمعهم . بازاء ذلك يعترف المجتمع بحقوقهم ويمكنهم
مهنيا واجتماعيا
واقتصادياا لاداء رسالتهم
.
وتشير الادبيات
التربوية ان جهودا
غير قليلة قد
بذلت في اعتماد مواثيق لمهنة التعليم . فقد قامت هيئات وانظمة تربوية
في عدد من دول
العالم بمحاولات كثيرة لتحديد اخلاقيات مهنة التعليم . ومن امثلة ذلك
الدستور الذي
وضعته ( اللجنة الوطنية للتربية و المعايير المهنية للمعلمين في
امريكا
(
منذ عام 1924
وبعد خمسة سنوات أي في عام 1929 تم تبني الدستور الاخلاقي
لمهنة التعليم .
كما تم وضع ميثاق اخلاقي لمهنة التعليم في المانيا الذي تضمن ادوار
المعلم وعمله مع
طلبته وزملائه واولياء امور طلبته . وميثاق حقوق وواجبات المعلم في
بولندا الذي اكد
على اهمية ربط الميثاق بمتطلبات الاصلاح المستقبلي للنظام التربوي
وبناء انموذج
شخصية المعلم ودوره في حياة المجتمع
.
اما في الوطن
العربي فقد
اعتمد مؤتمر
وزراء التربية والتعليم العرب الذي عقد عام 1968 ميثاق المعلم العربي
الذي تكون من
(19) مادة مع تحديد قسم المهنة ، كما قامت المنظمة العربية للتربية
والثقافة و
العلوم بتقديم ( دستور اخلاقي لمهنة التعليم ) قدم الى الحلقة الدراسية
التي عقدت في
مسقط عام 1979 ، اما مكتب التربية العربي لدول الخليج فقد اعتمد وثيقة
بعنوان ( اعلان
مكتب التربية العربي لدول الخليج لاخلاق مهنة التعليم ) عام 1985 ،
كما قامت اقطار
عربية منفردة باعداد مواثيق بشان الموضوع
اما في مجال
البحوث و
الدراسات التي
تناولت أخلاقيات مهنة التعليم في عدد من الدول الأجنبية فنشير إلى
: دراسات على
مهنة التعليم في مجالات تعليم أخلاق المهنة ، و الأخلاق و التعليم ،
والأخلاق المهنية
في التربية العامة ، الميثاق الأخلاقي للمرشدين التربويين في مجال
الإرشاد العيادي
– الإكلينيكي
.
وفي وطننا العربي
فقد اجريت مجموعة من الدراسات
و البحوث نذكر
منها دراسة عن مدى التزام المدير والمعلم بالقواعد الأخلاقية لمهنة
التعليم ،
واخلاقيات مهنة الادارة المدرسية وغيرها.
وتنطلق دعوة
الباحثين الى
ضرورة
اعداد دستور لمهنة التعليم في العراق من
مسوغات عديدة لعل من اهمها
:
(1)عدم
وجود دستور او ميثاق مهني للتعليم يحدد الواجبات والحقوق وطبيعة
العلاقات التي
تربط بين العاملين في مهنة التعليم
.
(2)يعتبر
تعليم رسالة ومهنة
لها قواعد
اخلاقية تنبثق من فلسفة المجتمع
.
(3)تطور
الفكر التربوي وتطبيقاته
التربوية
والنفسية
.
(4)تغير
دور المعلم واضافة مهمات جديدة له
.
(5)اختلاف
اساليب اعداد
المعلمين وتاهيلهم
.
(6)تعزيز
مسؤولية الدولة اتجاه التربية
والتعليم بوصفها
القاعدة الاجتماعية الواسعة مع ضرورة تنشئة الجيل الجديد على اسس
اخلاقية يتحلى
بها المعلم ويتصرف على ضوئها وبما يعزز القيم الخلقية للطالب
.
(7)توحيد
عملية تقويم سلوك المعلمين وتوجيههم من قبل ادارة المدارس و المشرفين
التربويين
والمسؤولين التربويين وفق معايير عملية موحدة بما يحقق العدالة
والاطمئنان
للجميع
اما
اهداف الدستور المهني للتعليم
فيمكن تحديدها
بما ياتي
:
(1)تحديد
واجبات المعلمين نحو انفسهم ومنتهم وطلبتهم ومجتمعهم داخل
المدرسة
خارجها
(2)وعية
العاملين في مهنة
التعليم باهمية الدستور ودوره
في
تعزيز مهنة التعليم والارتقاء
بها
(3)الاسهام
في تعزيز مكانة المعلم الاجتماعية
و الاقتصادية
.
(4)التعريف
بحقوق المعلم على المجتمع نظير تأديتهم واجباتهم
ومسؤولياتهم
.
ومن هذا المنطلق
فان اعتماد دستور مهني للتعليم اصبح ضرورة ومطلبا
أساسيا من اجل
الارتقاء بمهنة التربية و التعليم
.
توصيات
البحث
:
لكي ياخذ الدستور
المقترح اعداده ابعاده العلمية و التربوية و السلوكية
ويتقبله المعلمون
ويعملون بما جاء فيه برحابة صدر وقناعة ويتمثلونه في انجاز مهامهم
التربوية و
التعليمية داخل المدرسة وخارجها ، نورد في ادناه بعض التوصيات التي
تعزز
العمل بهذا
الاتجاه
:
(1)العمل
على وضع صيغة لدستور اخلاقي لمهنة التربية
والتعليم في
العراق
.
(2)النظر
الى التعليم بوصفه مهنة رفيعة لها منطلقاتها
وشروطها
واخلاقياتها
.
(3)تعامل
المجتمع افراد ومؤسسات مع المعلمين بروح من
المودة والتقدير
بما يعلي من شانهم ، ويعزز من مكانتهم ، ويتناسب مع مهامهم
الرسالية ومنع كل
ما يؤدي الى التقليل من شانهم او يسيئ الى مهنتهم او يؤذي سمعتهم
.
(4)تفعيل
دور المؤسسات المهنية وتعميق اسهامها في البرامج والنشاطات المتعلقة
بشؤون التربية
والعاملين فيها
.
(5)اعتماد
القوانين و الانظمة و التعليمات التي
تعزز اوضاع
المعلمين الاجتماعية و الاقتصادية ومنها توفير السكن المناسب ، وشمولهم
بالرعاية
الاجتماعية و التامين الصحي وتوفير الحوافز المادية و المعنوية مما
يوطد
ولائهم لمهنتهم و
الاعتزاز بها
.
(6)تطوير
نظام متكامل
وعادل للترقية و التدرج
الوظيفي على
وفق سلم خاص يعد لهذا الغرض
(7)العمل
على حسن اختيار المتقدمين
للانتماء الى
مهنة التعليم وفق معايير وقواعد علمية
(8)العمل
على اعداد
المعلمين في اطار
جامعي مع التدريب المستمر وفتح افاق للدراسات العليا امامهم
.
0 commentaires:
إرسال تعليق