الأحد، 19 شتنبر 2010

الأسرة والمدرسة معا

الأسرة والمدرسة معا لإعادة الارتباط العضوي إلى طبيعته
الإصلاح التربوي يحتاج لتسريع الوثيرة 
 
تعيش جل الأسر المغربية هذه الأيام نشوة داخلية مصحوبة بحسرة بادية على وجوهها، فالنشوة، هي فرحة بمعانقة أبنائها أحضان التمدرس، ودخول غمار مرحلة النضج المعرفي، والاستشراف المتأني للمستقبل، بما يتطلب ذلك من كد ومثابرة واجتهاد، وهو شعور أيضا لدى الآباء، بأنهم يؤدون رسالتهم على أحسن حال،
 
ويعملون على تخطي المصاعب والمثبطات، التي من شأنها أن تعصف بأحلامهم في أن يستنفعوا بتعليم أبنائهم، ليس من جانبه المادي المرتبط بالشغل فقط، إنما في إطاره المعنوي الذي يعطي للأب والأم هالة ويجعلهما محط تقدير واحترام
ومن أجل هذه القيمة الذاتية، تبقى الحسرة على ضعف النوال وصعوبة توفير تكاليف التمدرس مجرد حالة نفسية سرعان ما تمحى مع تحصيل أبنائهم للنتائج الجيدة والشواهد المشرفة.

وما علينا في خضم هذه الاستعدادات للدخول المدرسي، إلا الوقوف تقديرا للأسر المغربية على ما تكابده من مشاق ومعاناة من أجل توفير مستلزمات التمدرس لأبنائها، ونؤكد على شيء، أنه كيفما كانت حالة سوق الشغل المزرية في بلادنا، يجب أن نضع كل أرقام نسب البطالة لحاملي الشواهد على الهامش، ونحاول أن نصطبر على تعليم وتأهيل ناشئتنا للحصول على أفضل النتائج والشواهد، وعندما نلتفت إلى جحافل العاطلين المرابطين أمام البرلمان، لا نحد من طموحنا، ولا ننظر إلى بطالتهم بعين مجردة، إنما إلى قيمة شواهدهم، فأزمة التشغيل لن تكون بالضرورة دائمة، فهي متحول مرتبط بمستوى النمو الاقتصادي الذي لن يستقر على حاله وقد يغير أحواله
وما من شك، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في حاجة إلى ذوي الخبرات والشواهد، من أجل التفعيل الأمثل لأهدافها ومقتضياتها، والركيزة الأساسية لهذه التنمية توجد في المؤسسة التعليمية.

في خضم ذلك اختارت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، أن يعيش الدخول المدرسي لهذه السنة على إيقاع شعار »الأسرة والمدرسة معا لبناء الجودة«، باعتبار أن دخول الأسرة كشريك مباشر وفاعل في عملية الإصلاح، يهدف إلى خلق تصالح ما بين مؤسسة الأسرة والمؤسسة التعليمية، بعد نوع من الانفصام الذي خلق بينهما في السنوات الأخيرة والذي أدى إلى تراجع في أداء كل واحد منهما للأدوار المنوطة به، وكرسا بتباعدهما هذا، سلبيات عدة، مست المناهج البيداغوجية التي تأثرت بجمود آليات الاشتغال، وعدم مسايرتها للتحديات التي يطرحها واقع اليوم سريع التطور.

وهذا الجفاء والانحصار الديداكتيكي، أدى إلى الانغلاق التدريجي للمدرسة على محيطها الأسري، الشيء الذي خلق تنشئة تعاني من صعوبة الاندماج وتعيش مشاكل الاستوعاب، لذلك، فمراهنة وزارة التربية الوطنية على الأسرة والمدرسة لتطوير عملية إصلاح منظومة التربية والتكوين، هو رهان صحيح ويستمد قوته من كونه يلامس الإشكال في عصبه، لكن إعادة الارتباط العضوي إلى طبيعته، يقتضي أن لا يكون الرهان هذه السنة على الأسرة مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي في بداية الموسم الدراسي، بل يجب أن يكون بمثابة الأنزيم الذي يغذي سيرورة الإصلاح التربوي ويقوي مناعته ويمأسس علاقة الترابط بتوفير شروط ومناخ وآليات هذه المأسسة.

ومن هذا المنطلق، يتحتم على وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، بذل جهود أكبر لتجسير الهوة عبر تقريب المدرسة من الأسرة وتذويب الحواجز التي سببها عادة انعدام التواصل أو تضارب آلياته، فالأسرة المغربية في حاجة إلى مدرسة مواطنة، تشعر وتحس بمشاكلها وتتكيف مع همومها الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص، فبدون جمعيات آباء وأولياء تلاميذ سليمة في هياكلها وتشتغل بشكل ديمقراطي ومتفاعل، لا يمكن تحقيق التكامل المطلوب، الذي من شأنه أن يجعل مؤسستي المدرسة والأسرة تقومان بدورهما في مواكبة مستجدات المناهج التربوية التي تعتبر الدعامة الأساسية للإصلاح.

ومن ثمة، فإن مراجعة البرامج والمناهج لا يمكن تصورها بدون مقاربة المضامين والمحتويات ومراعاة تحولات المجتمع وتطور المعرفة وحاجيات الأجيال الجديدة من المتعلمين وما يطلبه سوق الشغل.

ومن هنا، ففتح المجال للتفكير الجماعي المندمج في كيفية رفع الجودة البيداغوجية للكتب المدرسية هو المطلب الأساس للتحكم في فلسفة الإصلاح وإخضاع أدائها العملي لسلطة المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء وتحديد وتيرة سيره، حتى لا تتعرض مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين المضبوطة في آجالها إلى مزيد من التأخر والتعثر، خصوصا وأننا دخلنا منذ سنة النصف الثاني من عشرية الإصلاح، والحصيلة حسب ما تحقق، لا تواكب الطموح.

وهذا ما يحتم على الدخول المدرسي الحالي، أن يسير بسرعتين، سرعة يتم خلالها تنفيذ ما هو مسطر في أجندة الإصلاح، وسرعة لتدارك ما لم يتم تنفيذه في أجله الموقوت.

ولعل هذا هو الدور المنوط بالمجلس الأعلى للتعليم، والذي ستكون انطلاقته مؤشرا إيجابيا، لانتقال الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى سرعة ثالثة، قصد تجاوز عثرات الماضي، والتكريس لثقافة جديدة في تداول المشاريع والآراء والتقارير والتوجهات وتقويم المزايا التي تعود بالنفع وتقدير تطور المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة التعليمية
ولا شك أن الحديث عن الإصلاح في معزل عن الموارد البشرية يجعله فاقد الأهلية،
وتعزوه حلقة الوصل، فنساء ورجال التعليم، هم الدرع الواقي للإصلاح، ومن ثمة، من الضروري إكسابهم المناعة اللازمة ضد الاتكالية والخمول والتقاعس، بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وتنمية مداركهم المعرفية بالتكوين والتكوين المستمر، لأن الإصلاح كل لا يتجزأ، فعندما يعيش رجال التعليم في أوضاع نفسية متدهورة بسبب الإضرابات المطلبية، فطبيعي أن ينعكس ذلك سلبا على مستوى تلقي التلاميذ ونتائجهم الفصلية والموسمية، وعندما ينعدم الحوار الاجتماعي وتتوقف مساعي تليين المواقف وتدبير الاختلاف وتلبية المطالب، فمن البديهي أن تتعثر سبل الإصلاح التربوي وتقف في نصف الطريق.

0 commentaires:

إرسال تعليق

مواضيع ذات صلة